الدكتور مصطفى محمود يكتب : العلم والثقافة .. أيهما أولاً

المعرفة والعلم تأتي دائمًا في المقام الأول، والحكمة مبنية على المعرفة، وهذا يعني أنه يمكنك أن تكون حكيمًا ومطلعًا في نفس الوقت، ولكن لا يمكنك أن تكون حكيمًا دون أن تكون مطلعًا ومتعلما.

العلم

ولذلك كانت أول كلمة نزلت في القرآن اقرأ لتعطي دلالة عميقة علي أن أساس الدين هي العلم ، في حين أنه كان من المنتظر من وجهة نظر الواقع آنذاك أن تأتي أول كلمة عن التوحيد في مجتمع تتعدد فيه الآلهه وتكثر فيه عبادة الأوثان، إن القرآن في معظم مواقفه يخاطب العقل ويبني علي العلم حتي فيما لم ليكن للعقل البشري أن يتخيله قال ويخلق ما لا تعلمون ليفتح الباب أمام العقل والعلم في كل وقت وحين، و قد أكدت الأديان جميعها علي اعلاء قيمة العلم، فحتي في قصة سيدنا سيلمان مع عرش بلقيس سبقت قدرة الذي عنده علم من الكتاب قدرة العفريت من الجن، وفي كلمة رب العزة عن النفاذ من أقطار السموات والأرض أكد أنه لن يستطيع الانس والجن النفاذ إلا بسلطان، وهذا السطان هو إرادة الله ثم علم الانسان، وفي كل يوم تتجدد قصة سيدنا سليمان مع عرش بلقيس فالعلم والعلماء يستطيعون بالمركبات الفضائية زيارة القمر والمريخ والوصول لكواكب أخري في حين أن أي ساحر أو دجال لا يستطيع الوصول لهذا مهما تعددت قدرته علي استحضار الجن.

ولكن هل العلم هو المطلوب في حد ذاته أم أن المطلوب هو الثقافة أي القدرة علي تطبيق العلم، ومن قصص القرآن نري أن هناك علماء خسف الله بهم وبدارهم الأرض مثل قارون الذي اعتمد علي علمه وصنع ثروة لا يمكن حصرها حين قال إنما أوتيته على علم عندي، ومن أجل ذلك يقول الله “وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا” ولم يقل ومن أوتي العلم، فقد جاءت الحكمة في القرآن بمعني النبوة إذ قال الله عن سيدنا داوود “وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء”، فالعلم بحوره واسعة ولا يعني وجود العلم تطبيقه إلا إذا تحول العلم لثقافة، لذلك تزداد الدول النامية تراجعا لأنها رغم التوسع في العلم والشهادات لا تطبق العلم ولا يتجاوز التعليم فيها مرحلة الامتحانات، في حين أن الدول المتقدمه تسعي دائما إلي التوسع في تحسين المستوي الثقافي وهو المستوي التطبيقي من العلم لا التوسع في القاعدة التعليمية فقط، ومثال بسيط المدخنين هل منهم من لا يعلم أضرار التدخين وخسائره الصحية والاقتصادية والدينية والبيئية، بالتأكيد لا ورغم ذلك فمستواهم الثقافي علي غير نفس المستوي وهو تطبيق ما يعلمه والابتعاد عن التدخين.

إن الله حين خلق الانسان فضله علي الملائكة والجن وسائر المخلوقات رغم شهواته واخطائه، فلماذا أمر الله كل المخلوقات تسجد لآدم وآدم هنا رمز لكل انسان، إن الله ميز الانسان بالعلم إذ قال وعلم آدم الأسماء كلها، إذن العلم قضية وجودية وحقيقة جلية تزداد قيمته بتطبيقه وتحويله إلي ثقافة وممارسة، لذا علينا جميعا ومن علي كل المستويات السعي لتطبيق العلم ونقله لمرحلة الثقافة وأن تكون تلك الثقافة ثقافة دائمة وليست مؤقتة، ولكن ما يحدث في كثير من المدارس والجامعات أن الطلاب يتعلمون من أجل الامتحانات ويقرأون فقط ليمتحنوا لا ليتعلموا، والقضية الأخطر أنهم يتعلموا ليحصلوا علي شهادة أو وظيفة لا ليغيروا سلوكياتهم وقدراتهم.
إن العلم والتعليم والثقافة التي جعلت رب الكون يميز بني آدم علي كل المخلوقات لهي أمر يجعلنا نفكر ونفكر كيف يبني العلم الوطن وكيف نبني ثقافة ايجابية تبني دولة لا تبني وظيفة ولا تعطي شهادة، وينبغي أن نعمل جاهدين لرسم سياسات تجعل من التعليم والمعرفة خطوة لبناء التطبيق والحكمة ليتحول العلم ولو بسيط إلي ثقافة ينتهجها المجتمع ليعلو وتثبت دعائمه.

أ.د/ مصطفي محمود أبوحمد
رئيس قسم الدراسات السياحية
كلية السياحة والفنادق جامعة الفيوم