أهم الأخبار

الأخبار الشائعة

أدخل بياناتك الآن لتحصل على آخر الأخبار

الدكتور عبدالله الفرماوي

تعزيز الاستثمارات الرياضية بين محورية دور الدولة وحيوية دور القطاع الخاص

شارك أحدث الأخبار

لم يعد النقاش الجدلي القديم الدائر حول كون الرياضة مجرد نشاط بدني ذو انعكاسات ذهنية وبدنية وشخصية واجتماعية متعددة، أم أن تأثيراتها تعدت ذلك لتصبح ذات تأثيرات اقتصادية على المستويات المحلية والدولية أيضاً.

بل قد تحولت الرياضة إلى صناعة مكتملة الأركان، وأضحى النقاش المحتدم الآن بين أصحاب رؤوس الأموال هو أي المجالات الاستثمارية أكثر عائداً؟ وهنا تظهر الرياضة في صدارة البدائل الاستثمارية بقوة، وهذا ما يتضح جلياً من خلال التقرير الصادر عن شركة دي لويت “Deloitte” في مارس 2024، والذي أوضح استمرار الشركات الأوروبية العاملة في المجال الرياضي في الازدياد على مدار السنوات الأخيرة لتصل إلى 190 ألف شركة في عام 2022، بإجمالي 1.5 مليون موظف deloitte.com، كما أوردت دراسة منشورة على منصة داتا فور “DETA FOUR” أن سوق كرة القدم الأوروبية حققت إيرادات بلغت 30.88 مليار دولار أمريكي في الموسم الماضي، حيث حققت الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى إيرادات بلغت 18 مليار دولار أمريكي detafour.com

وهو ما يظهر الدور الحيوي للاستثمارات الرياضية ليس فقط على صعيد معدلات الربح المرتفعة، بل أيضاً لما تلعبه من دور كبير في إيجاد فرص عمل للأفراد والمجتمعات.

وهنا تظهر تساؤلات مختلفة تفرض نفسها بقوة حول طبيعة هذا المجال “الاستثمار الرياضي”، ولعل من أبرز هذه التساؤلات ما يلي:

– ماذا يعني الاستثمار الرياضي؟ ما هي أهميته؟ ما هي أنواعه؟

– ماهي مخاطر الاستثمار الرياضي؟

– ما هي طبيعة دور كل من الدولة والقطاع الخاص في مجال الاستثمار الرياضي؟

وسأحاول عبر هذا المقال الإجابة على هذه التساؤلات، واضعاً بين يدي القارء تصوراً عاماً حول أحد القطاعات الهامة في عالماً المعاصر.

ففي حين يعرف الاستثمار الرياضي بأنه تخصيص رؤوس الأموال والموارد في الأنشطة والكيانات الرياضية بهدف تحقيق عوائد مالية أو استراتيجية. فإنه بذلك يشمل الاستثمار في الأندية الرياضية، واللاعبين، والبنية التحتية الرياضية، والتقنيات الرياضية، والفعاليات الرياضية، وغيرها. ومن الجدير بالذكر أن بعض التقارير أشارت إلى أن حجم سوق الرياضة العالمي وصل إلى 840 مليار دولار سنويًا في عام 2020، مع توقعات بأن يصل إلى 862.6 مليار دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 5.8 وذلك بحسب موقع Statista المعني بالإحصاءات حول العالم statista.com

وفي ذات السياق يمكن الإشارة إلى بعض النقاط التي تمثل أهمية الاستثمار الرياضي والمتمثلة في:

المساهمة في تحقيق نمو الاقتصاد: 

حيث يساهم الاستثمار الرياضي في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص العمل، وزيادة الإيرادات الضريبية، وتنشيط القطاعات الأخرى المرتبطة بالرياضة مثل السياحة والتسويق وغيرها.

تطوير البنية التحتية: 

يؤدي الاستثمار في البنية التحتية الرياضية إلى تحسين المرافق الرياضية، مما يعود بالنفع على الرياضيين والمجتمع بشكل عام.

تعزيز مستوى الرياضة بصفة عامة:  

يساعد الاستثمار الرياضي على تطوير الرياضة على جميع المستويات، من القاعدة الشعبية إلى الرياضة الاحترافية، مما يحسن مستوى الأداء الرياضي ويزيد من شعبية الرياضة، ويرفع من مستويات الطاقة الإنتاجية في المجتمعات والشعوب.

تحقيق الأرباح: 

يُعد الاستثمار الرياضي من بين القطاعات ذات معدلات الربح المرتفعة، حيث يمكن لرؤوس الأموال العاملة في هذا القطاع تحقيق عوائد جيدة من خلال الاستثمار في الأندية الرياضية الناجحة، أو الفعاليات الرياضية الكبرى، أو التقنيات الرياضية المبتكرة.

وعلى صعيد متصل تتعدد أنواع الاستثمار الرياضي ولعل من أبرزها:

الاستثمار في الأندية الرياضية: 

يشمل شراء حصص في الأندية الرياضية، أو تمويل عملياتها، أو بناء ملاعبها.

الاستثمار في اللاعبين:  

يشمل شراء الحقوق التجارية الخاصة باللاعبين، أو تمويل تطويرهم، أو توقيع عقود رعاية معهم.

الاستثمار في البنية التحتية الرياضية:

يشمل بناء الملاعب، والصالات الرياضية، ومرافق التدريب.

الاستثمار في التقنيات الرياضية: 

يشمل تطوير تقنيات جديدة لتحسين الأداء الرياضي، أو تحليل البيانات، أو إدارة الفعاليات الرياضية.

الاستثمار في الفعاليات الرياضية: 

يشمل تنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى، أو رعايتها، أو البث التلفزيوني لها.

وعلى الرغم من أهمية هذا القطاع كما سبق الإيضاح إلا أنه وعلى جانب آخر يتضمن بعض المخاطر ولعل من أبرزها:

تقلبات السوق: 

يمكن أن تتأثر قيمة الاستثمارات الرياضية بتقلبات السوق، مثل التغيرات في الأداء الرياضي للأندية أو اللاعبين ومن ثم انخفاض قيمتها السوقية، أو التغيرات في الظروف الاقتصادية.

المخاطر التشغيلية:

يمكن أن تواجه الأندية الرياضية والفعاليات الرياضية مخاطر تشغيلية، مثل الإصابات، أو المشاكل الإدارية، أو الكوارث الطبيعية.

المخاطر السياسية: 

يمكن أن تتأثر الاستثمارات الرياضية بالتغيرات السياسية، مثل القوانين واللوائح الجديدة، أو عدم الاستقرار السياسي.

وفي ضوء ما سبق تناوله من أهمية دور الاستثمارات الرياضية في الحياة الاقتصادية للشعوب، وعلى الوجه الأخر المخاطر التي يمكن أن تحد من الدور والأثر الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الاستثمارات الرياضية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مختلف دول العالم، فإن تكاملية الأدوار بين كل من الدولة والقطاع الخاص تظهر في المشهد بقوة بوصفها الأداة الفاعلة في تعزيز الاستثمارات الرياضية وتعظيم عوائدها الإيجابية على مختلف أطراف الحركة الرياضية بصفة عامة وأطراف الاستثمار الرياضي بصفة خاصة؛

وهذا ما يتطلب تحديد ومناقشة دور كل قطاع من هاذين القطاعين الهامين، وذلك على نحو يصف مسئوليات وأدوار كل من الدولة والقطاع الخاص في هذا السياق.

ففي حين تلعب الدولة دوراً محورياً في تهيئة البيئة المناسبة للاستثمار الرياضي، حيث يتجلى هذا الدور في عدة جوانب، منها:

وضع السياسات والاستراتيجيات: 

يجب على الدولة وضع سياسات واضحة للاستثمار الرياضي تحدد الأولويات والأهداف وتوفر إطاراً قانونياً وتنظيمياً وتشريعياً شفافاً وجاذباً للمستثمرين، يرتكز على مبادئ الحوكمة الرشيدة لكافة مكونات هذا القطاع.

تطوير البنية التحتية: 

تعتبر البنية التحتية الرياضية المتطورة عنصراً أساسياً لجذب الاستثمارات. يجب على الدولة الاستثمار في بناء وتطوير الملاعب والصالات الرياضية والمرافق التدريبية، وتوفير الخدمات الأساسية مثل النقل والاتصالات.

دعم الاتحادات الرياضية: 

تحتاج الاتحادات الرياضية إلى دعم مالي وإداري من الدولة لتطوير الألعاب المختلفة والارتقاء بمستوى الأداء الرياضي.

تشجيع القطاع الخاص: 

يجب على الدولة تقديم حوافز وتسهيلات للقطاع الخاص للاستثمار في الرياضة، مثل الإعفاءات الضريبية والتسهيلات الائتمانية.

وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال مطالعة الحالة الأوروبية والتي تلعب فيها الحكومات الأوروبية دورًا محوريًا في تعزيز الاستثمارات الرياضية، مما يساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث تتجسد جهود هذه الحكومات في تخصيص ميزانيات كبيرة وتطوير برامج استراتيجية لدعم القطاع الرياضي.

ففي البرتغال خصصت الحكومة البرتغالية 65 مليون يورو للاستثمار في القطاع الرياضي خلال الفترة من 2024 إلى 2028. وصف الوزير المسؤول عن الشؤون البرلمانية هذا البرنامج بأنه “غير مسبوق”، مع زيادة بنسبة 46.1٪ في عام 2025 فقط وذلك بحسب وكالة The Portugal News theportugalnews.com

بينما في المملكة المتحدة أعلنت هيئة الرياضة في المملكة المتحدة عن استثمار 330 مليون جنيه إسترليني (حوالي 418 مليون دولار) في الرياضات الأولمبية ورياضات ذوي الاحتياجات الخاصة استعدادًا لأولمبياد لوس أنجلوس 2028 وذلك وفقاً لمنصة الاقتصادية الإخبارية aleqt.com.

وفي ذات السياق خصصت الوكالة الفرنسية للتنمية أكثر من 112 مليون يورو لمشاريع رياضية في دول مختلفة، بهدف دعم التلاحم الاجتماعي والابتكار من خلال الرياضة. تشمل المشاريع تعزيز الرياضات النسائية وتطوير أكاديميات رياضية تجمع بين الرياضة والتعليم في عدة دول أفريقية وذلك وفقاً لموقع الدبلوماسية الفرنسية diplomatie.gouv .

تظهر هذه الأمثلة التزام الحكومات والهيئات الرياضية الأوروبية بتعزيز الاستثمارات في القطاع الرياضي، مما يعود بالنفع على الاقتصاد والمجتمع والثقافة.

وعلى الجانب الأخر يلعب القطاع الخاص دورًا محوريًا في تعزيز الاستثمارات الرياضية، فهو يساهم بشكل كبير في تمويل الأندية، تنظيم الفعاليات، وتطوير البنية التحتية الرياضية. كما تتنوع طبيعة هذه الاستثمارات بين الرعاية، حقوق البث، تطوير المنشآت، والاستحواذ على حصص في الأندية الرياضية، حيث يعتبر القطاع الخاص شريكاً أساسياً للدولة في الاستثمار الرياضي، ويمكن للقطاع الخاص أن يساهم في هذا المجال من خلال:

الاستثمار في الأندية الرياضية:

يمكن للشركات والأفراد الاستثمار في الأندية الرياضية، سواء من خلال شراء حصص فيها أو تقديم الدعم المالي والرعاية.

إنشاء المرافق الرياضية: 

يمكن للقطاع الخاص إنشاء المرافق الرياضية الخاصة، مثل الصالات الرياضية والملاعب التدريبية، وتقديم خدمات التدريب والتأهيل الرياضي.

تنظيم الفعاليات الرياضية: 

يمكن للقطاع الخاص تنظيم الفعاليات الرياضية المختلفة، مثل البطولات والسباقات، وجذب الرعاة والمعلنين.

تسويق المنتجات الرياضية: 

يمكن للشركات المتخصصة في إنتاج وتسويق المنتجات الرياضية الاستفادة من النمو المتزايد في سوق الرياضة.

التصنيع الرياضي:

يمكن للقطاع الخاص ضخ رؤوس الأموال في المصانع وخطوط الإنتاج لمختلف السلع الرياضية سواء كانت أدوات أو أجهزة أو معدات أو ملابس أو أحذية وغيرها.

الابتكار والتكنولوجيا:

تطوير التقنيات الحديثة في مجال الرياضة وتحسين تجربة المشجعين والرياضيين.

توسيع نطاق الرياضة:

المساهمة في نشر ثقافة الرياضة وتوسيع قاعدة المشاركين والمشجعين.

شراكة استراتيجية “تحقيق الأهداف المشتركة”

ولكي تصل الاستثمارات الرياضية إلى مستويات غير مسبوقة ويتعاظم تأثيرها الإيجابي على كافة الأصعدة، يتطلب ذلك الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، من خلال تحقيق التوازن بين الأهداف العامة للدولة والأهداف الخاصة للقطاع الخاص، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:

تحديد الأولويات المشتركة:

تحديد المشاريع الرياضية التي تخدم الأهداف التنموية للدولة وتوفر فرصًا استثمارية مجدية للقطاع الخاص.

توزيع الأدوار والمسؤوليات:

تحديد واضح لأدوار ومسؤوليات كل طرف في المشاريع الرياضية المشتركة.

تبادل الخبرات والمعرفة:

تبادل الخبرات والمعرفة بين الدولة والقطاع الخاص في مجال الاستثمار الرياضي.

• تقييم الأداء والمتابعة:

تقييم أداء المشاريع الرياضية المشتركة ومتابعة تنفيذها لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.

نصائح للمستثمرين الرياضيين:

• إجراء البحث والتحليل:

قبل الاستثمار في أي نشاط رياضي، يجب على المستثمرين إجراء بحث وتحليل شاملين لتقييم المخاطر والعوائد المحتملة.

تنويع الاستثمارات:

يجب على المستثمرين تنويع استثماراتهم الرياضية لتقليل المخاطر.

الاستثمار على المدى الطويل:

عادة ما تكون الاستثمارات الرياضية أكثر نجاحًا على المدى الطويل، حيث يمكن للمستثمرين الاستفادة من النمو التدريجي في قيمة الأصول الرياضية.

الاستعانة بالخبراء:

يجب على المستثمرين الاستعانة بالخبراء في مجال الاستثمار الرياضي للحصول على المشورة والتوجيه.

في الختام يمكن القول إن تكامل الأدوار بين الدولة والقطاع الخاص يمثل مفتاح النجاح في دفع عجلة الاستثمار الرياضي وتحقيق التنمية المستدامة في هذا القطاع الحيوي. ومن خلال الشراكة الاستراتيجية والتخطيط السليم يمكن تحويل الرياضة إلى محرك قوي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم.

سوزان الجمال
سوزان الجمال
المقالات: 450

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ابق على اطلاع ولا تطغى عليك الأمور، اشترك الآن!