
ملتقى صحافة القاهرة يناقش مستقبل التعليم الإعلامي في ظل الثورة الرقمية: دعوات لدمج المهارات المتطورة والأخلاقيات
شهد اليوم الثاني من الملتقى العلمي لقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، مناقشات مكثفة حول التحديات الراهنة التي تواجه التعليم الصحفي وسوق العمل في ظل التحول الرقمي المتسارع. جاء ذلك خلال الجلسة الرابعة، التي عُقدت تحت عنوان “تحديات البيئة التعليمية في أقسام الصحافة في ضوء الثورة الرقمية”، واتخذت شكل حلقة نقاشية معمقة.
ترأست الجلسة الأستاذة الدكتورة نجوى كامل، أستاذ الصحافة بالكلية، فيما تولت الأستاذة الدكتورة إيمان حسني، أستاذ الصحافة بالكلية، مهمة التعقيب، وأدار الدكتور وسام هندي، المدرس بقسم الصحافة، مهام مقرر الجلسة.
رؤى أكاديمية: تحديات المناهج وتأهيل الأساتذة
أكدت الأستاذة الدكتورة نجوى كامل على ضرورة إعداد خريج واعٍ بقضايا مجتمعه، وقادر على توصيل أفكاره بفاعلية من خلال توظيف التقنيات الحديثة.
وأشارت إلى أن البيروقراطية تؤثر سلبًا على قدرة المناهج الدراسية على مواكبة التغيرات السريعة في سوق العمل، مشددة على أهمية تدريب الطلاب وتأهيل الأساتذة الجامعيين على الاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي.
وشهدت الجلسة عرض ورقتين بحثيتين بارزتين. تناولت الورقة الأولى، التي قدمتها الأستاذة الدكتورة نرمين الأزرق والدكتورة ياسمين صلاح، “تأثير الانفتاح الإعلامي على القيم الصحفية للطلاب وتصوراتهم لأخلاقيات الممارسة المهنية في العصر الرقمي”.
من جانبها، أشادت الأستاذة الدكتورة نرمين الأزرق بقيمة الملتقى، مؤكدة وجود إشكالية تتعلق بتأثر الطلاب بقيم مستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي، مما ينعكس سلبًا على فهمهم للقيم المهنية والأخلاقية.
وأوضحت أن بعض الطلاب يفضلون “السبق الصحفي” على مصداقية المحتوى، ويهتمون بالشهرة و”الترند” على حساب قيمة المحتوى وأهميته، بل ويعتبرون تحقيق الإثارة نوعًا من المهارة رغم مخالفته للقانون.
كما أشارت إلى مشكلة النقل غير النقدي من مواقع التواصل الاجتماعي دون الالتفات لقيمة الخصوصية، والإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي. ودعت الدكتورة نرمين إلى تحديث طرق التدريس والمناهج لمواكبة تطورات وسائل التواصل الاجتماعي، لافتة إلى تفوق الطلاب تقنيًا على بعض الأساتذة الذين يكتفون بالجانب النظري.
وأضافت الدكتورة ياسمين صلاح أن الطلاب يدركون المخاطر الأخلاقية للتكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، لكنهم يفضلون الاستفادة منها، خاصة أدوات مثل “شات جي بي تي” (ChatGPT). وأكدت على ضعف مهارات التحقق من المعلومات لديهم، مشددة على أن تعزيز الثقافة الإعلامية والتفكير النقدي ضرورة لحماية الطلاب من التضليل، خاصة مع تصدر مواقع التواصل الاجتماعي لمصادر الحصول على المعلومات.
أما الورقة الثانية، فجاءت بعنوان “الضوابط الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في البيئة التعليمية”، وقدمتها الدكتورة نانسي عادل. أكدت الدكتورة نانسي أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم عامة، والصحفي خاصة، يجب أن يُنظر إليه كتطوير حتمي لا كتهديد.
ودعت المؤسسات التعليمية إلى التركيز على كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي بفاعلية وابتكار في العملية التعليمية، مع تجنب مخاطره المحتملة، بدلاً من محاولة منعه.
وشددت على أن النزاهة الأكاديمية، والشفافية، والخصوصية، وحقوق الملكية الفكرية هي أبرز القضايا التي تشغل بال المؤسسات التعليمية فيما يتعلق بدمج الذكاء الاصطناعي. وأشارت إلى أن الإرشادات الجامعية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ما زالت تفتقر للتخصص وآليات التطبيق، مؤكدة عدم وجود طريقة موثوقة للكشف عن المحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعي. وحذرت من أن معاداة أي مؤسسة تعليمية للذكاء الاصطناعي وتقييد استخدامه للطلاب دون ربط ذلك بنواتج التعلم لا يصب في صالح تشجيع الابتكار والإبداع.
خبراء الصناعة: فجوة المهارات وتحديات سوق العمل
تضمنت الجلسة حلقة نقاشية بعنوان “تحديات وإشكاليات التوظيف في سوق العمل الصحفي في ضوء الثورة الرقمية”، بمشاركة نخبة من كبار الخبراء الإعلاميين في مصر: الأستاذ علاء الغطريفي، رئيس تحرير جريدة المصري اليوم؛ الأستاذ محمد طنطاوي، مدير تحرير اليوم السابع؛ والدكتور أسامة السعيد، رئيس تحرير جريدة الأخبار.
ناقش المشاركون أبرز التغيرات التي طرأت على سوق العمل الصحفي نتيجة التحول الرقمي. حيث أشار الدكتور أسامة السعيد إلى وجود فجوة بين الواقع العملي الإعلامي والواقع العلمي الإعلامي، مؤكدًا المبالغة في تعليم الطلاب المهارات التقنية على حساب المهارات التحريرية الأساسية
وأوضح أن المؤسسات الإعلامية تفتقر إلى معايير وآليات أساسية لتوظيف الخريجين الجدد، كما توجد فجوة بين الدراسات البحثية الإعلامية والواقع الفعلي في المؤسسات الصحفية. وأكد على التغير المستمر في الاحتياجات المطلوبة من الطلاب والخريجين بسبب التطور التكنولوجي السريع، والمنافسة الشديدة بين خريجي الإعلام وغيرهم من التخصصات الأخرى.
من جانبه، لفت الأستاذ محمد طنطاوي إلى ضعف الأداء التحريري لدى خريجي كليات الإعلام حاليًا، مقابل تميزهم في صناعة الجرافيك والمونتاج. وأشار إلى أن السوق الصحفي لا يحتاج كل هذا الكم من الخريجين، وأن طلاب الإعلام يواجهون مشكلة في التواصل مع المصادر الصحفية بسبب اعتيادهم على استخدام برامج الذكاء الاصطناعي.
وحذر طنطاوي من أن المحتوى المنقول بالذكاء الاصطناعي لا يناسب الصحافة، لأن محركات البحث مثل جوجل تكتشفه وتمنع ظهوره بسبب حقوق الملكية الفكرية. ودعا إلى ترشيد التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الصحفية واستخدامها في نقاط محددة، مع توعية الطلاب بخطورة استخدامها في صناعة المحتوى الصحفي.
بدوره، أوضح الأستاذ علاء الغطريفي أن مؤسسات الإعلام الاحترافي المؤسسي تتواصل مع الجمهور عبر وسائط متعددة: المطبوع، والإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي. وأشار إلى أن الجمهور الأقل من 35 عامًا يستهلك الأخبار عبر الفيديو الإخباري بنسبة كبيرة، ويتعرض للأخبار بالمصادفة على مواقع التواصل الاجتماعي، مفضلًا الأخبار المختصرة، على عكس كبار السن الذين يحتاجون إلى تفاصيل وتفسيرات معمقة. وأكد الغطريفي أن ثورة الهواتف الذكية غيرت بنية عملية إنتاج المحتوى الإعلامي، مشددًا على ضرورة تعليم الخريج كيفية كتابة القصة وعرضها عبر أكثر من وسيط إخباري، وكيفية صناعة المحتوى لمواقع التواصل الاجتماعي والترويج له. واختتم حديثه بالتأكيد على أن تبني الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار يجب أن يستند إلى استراتيجية واضحة ومحددة، مع وضع قواعد واضحة لكيفية مخاطبة الجمهور في الفئات العمرية المختلفة.
وفي ختام الجلسة، أشارت الأستاذة الدكتورة إيمان حسني إلى أبعاد كان يجب أن تتطرق لها الجلسة، تخص مصنعي تقنية الذكاء الاصطناعي باعتبارهم المتحكمين الأساسيين في هذه التقنيات. كما أكدت على إشكالية صعوبة حصول خريجي الإعلام على الوظائف في المؤسسات الصحفية، ومشكلة استخدام الترويج المدفوع للمحتوى الصحفي.
الرابط المختصر للخبر:
https://filgamaa.com/Gu6FpS