الدكتور عبدالله فرماوي يكتب: انعكاسات الرسوم الجمركية الامريكية على الاستثمارات الرياضية العالمية

بمجرد مطالعة الاخبار الاقتصادية سواء على المواقع الإخبارية العالمية أو وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الإذاعات أوعلى شاشات التلفزيون، ستدرك ما تشهده الساحة العالمية في الآونة الأخيرة من حرب اقتصادية تلوح في الافق، والتي تتجلى أهم مظاهرها فيما أعلنته إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” من تعريفات جمركية بنسب متفاوتة من 10 % إلى 34 % على معظم دول العالم في الثاني من إبريل 2025، وما ترتب على ذلك من قيام دول مثل الصين وكندا والاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية انتقامية على السلع الامريكية في المقابل، وما ترتب على ذلك من اضطرابات عنيفة في أسواق الأوراق المالية حول العالم.

وبدورها فقد سارعت حكومات دول العلم إلى البحث عن حلول بديلة لما يمكن تسميته انهيار النظام الاقتصادي العالمي الحديث الذي كان قائماً على عولمة التجارة أو التجارة العابرة للقارات.

ولعل المتتبع للاقتصاد العالمي يعلم جيداً أنها ليست المرة الأولى التي يفرض فيها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مثل هذه التعريفات حيث سبق وأن فرض حزمة من الرسوم الجمركية في فترة رئاسته الأولى والتي امتدت من 2017 حتى 2021، والتي يمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:

• صلب وألمنيوم: في مارس 2018 فرضت الولايات المتحدة تعريفة جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب، و10% على واردات الألمنيوم من معظم الدول.

• منتجات صينية: بداية من منتصف 2018 فُرضت تعريفات بلغت حوالي 250 مليار دولار أمريكي على السلع الصينية بمعدلات تراوحت بين 10% – 25%، وشملت معدات إلكترونية وأجهزة صناعية.

ومن نافلة القول فإن تأثيرات الرسوم الجمركية الجديدة التي دخلت حيز النفاذ في الثاني من إبريل المنصر حتمية الحدوث، إلا أنه لا يمكن التكهن بها بدقة خاصة في ظل التحولات السياسية والاقتصادية المتسارعة والتي تحدث كتداعي طبيعي لما يحدث عالمياً،

ومما لا يدع مجالاً للشك، فإن حركة الاستثمارات الرياضية العالمية ليست بمنآي عن تأثيرات تلك الحرب الاقتصادية التي أوشكت أن تغير وجه النظام الاقتصادي العالمي قاطبةً، ولكي نقف على تحديد ملامح تداعيات وتأثيرات هذه الرسوم الامريكية، فمن الممكن أن ننظر نظرة المحلل والمدقق لما ترتب على ما فرضه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في فترة رئاسته الأولى على حركة الاستثمارات الرياضية العالمية.

فوفقاً لوكالة Morgan Stanley morganstanley.com فقد أدت التعريفات الجمركية إلى خفض هوامش ربح شركة نايكي Nikkei بنحو 1-2% في عام 2019 بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، بينما أشار تقريرها السنوي لعام 2019 إلى أن تكاليف شركة أديداس Adidas زادت بنحو 150 مليون دولار بسبب التعريفات الجمركية، مما دفعها لرفع الأسعار بنسبة 3-5%.

ولم تتوقف تأثيرات الرسوم الجمركية عند هذا الحد بل امتدت لتشمل حدوث حركة واسعة من تحول الإنتاج ومن أبرز مظاهر هذا التحول ما أعلنت عنه شركة نايكي من نقل 30% من إنتاجها من الصين إلى فيتنام وإندونيسيا بين عامي 2018-2021 (وفقًا لـ Nikkei Asia) asia.nikkei.com

وقد طال تأثير تلك التعريفات أيضاً الاستثمارات في الأندية والبطولات وذلك وفقاً لبيانات الرعاية والقيمة السوقية حول العالم؛

فعلى صعيد استثمارات الصين في الرياضة العالمية فقد انخفضت استثمارات الصين في الأندية الأوروبية من 2.5 مليار دولار في 2017 إلى 400 مليون دولار فقط في 2020 بعد التوترات التجارية الناشئة عن الرسوم الجمركية وذلك وفقًا لـ Deloitte deloitte.com

كما تأثر استحواذ Suning Holdings Group الصينية على نادي انتر ميلان (2016) بضغوط الديون بسبب سياسات الصين تجاه الاستثمار الخارجي التي تبنتها كرد فعل حمائي نتيجة الرسوم الجمركية المفروضة.

وعلى صعيد متصل فقد تجلت انعكاسات هذه الرسوم على الرعايات الرياضية فيما قامت به شركة Anta الصينية الراعي الرسمي لـ NBA (الدوري الأمريكي لكرة السلة) من خفضت إنفاقها على الرعاية في الولايات المتحدة بنسبة 15% في عام 2019 وذلك بحسب Forbes forbes.com .

ومن ناحية أخرى شملت التأثيرات البطولات العالمية فيما يخص بند إيرادات الرعاية، فعلى الرغم مما حققته بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر من إيرادات رعاية بلغت 1.7 مليار دولار إلا أن شركات مثل كوكا كولا وفيزا قلصت ميزانياتها التسويقية بنسبة 10% في 2020-2021 بسبب ارتفاع التكاليف الناتجة عن الرسوم الجمركية المفروضة وذلك وفقاً لتقارير Statista statista.com .

بينما خسر الدوري الاميركي للمحترفين (NBA) ما يقدر بـ 300 مليون دولار من الإيرادات السنوية بسبب التوترات مع الصين، حيث تعزى هذه الخسارة نتيجة المقاطعة الجزئية للبث، وذلك وفقًا لـوكالة ESPN الإخبارية الرياضية espn.com .

وفي المقابل فقد أدى فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة إلى تغيير أنماط الاستهلاك، حيث تحول المستهلكون إلى العلامات المحلية، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال مبيعات الملابس الرياضية في الولايات المتحدة الامريكية، حيث نمت مبيعات أندر آرمور (Under Armour) بنسبة 7% في عام 2020 بسبب التركيز على الإنتاج المحلي وذلك وفق بيانات NPD Group اليابانية n-p-d.co.jp .

وكذلك قيام شركة New Balance بزيادة استثماراتها في المصانع الأمريكية بـحولي 500 مليون دولار بين عامي 2018-2022 لتجنب التعريفات.

وعلى صعيد آخر فقد امتد تأثير الرسوم الجمركية ليطال البنية التحتية (تكاليف المشاريع)، حيث ارتفعت تكاليف بناء ملعب ألي جانت (لاس فيغاس) Las Vegas Raiders Stadium (Allegiant Stadium) بنسبة 12% بسبب زيادة أسعار الصلب المستورد، وذلك وفقاً لبيانات U.S. Census Bureau. الامريكية census.gov

بينما تأخر مشروع ملعب أوستن إف سي (MLS) 6 أشهر بسبب نقص المواد المستوردة من الصين.

وكما سبقت الإشارة فإن دول العالم لم تقف مكتوفة الأيدي مقابل ما يمكن وصفة بالحرب التجارية التي شنتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بل شهد الاقتصاد العالمي موجه من ردود الفعل الدولية، والتي تمثلت في مقاطعات وعقوبات مضادة؛

وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال ما قامت به الصين رداً على التعريفات الجمركية، حيث علقت بث مباريات NBA (الدوري الأمريكي للمحترفين) في الصين عام 2019، الأمر الذي أدى إلى انخفاض القيمة السوقية للدوري بنسبة 4% مما أدى إلى خسارة الدوري حوالي 1.5 مليار دولار، وذلك وفقًا لـوكالة Bloomberg. الإخبارية bloomberg.com

بينما فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات بنسبة 10% على منتجات مثل (هارلي دي فيدسون) Harley-Davidson الأمريكية (الراعي الرياضي لبعض الفعاليات)، مما أثر على ميزانيات الرعاية.

وختاماً يمكن تلخيص تأثيرات التعريفات الجمركية الأمريكية على الاستثمارات الرياضية العالمية على النحو التالي:

• ارتفاع تكلفة بناء الملاعب بنسبة تصل إلى 5%-10%:

بحسب تقرير نشرته ESPN الإخبارية الرياضية في 2018 espn.com، أدى ارتفاع أسعار الصلب والألمنيوم إلى رفع تكلفة بناء بعض الملاعب الأمريكية بنسبة تصل إلى12% مثال: مشروع Las Vegas Raiders Stadium (Allegiant Stadium) واجه ارتفاعاً في تكاليف الإنشاء قدره عشرات الملايين من الدولارات.

• انخفاض إيرادات الرعاية في بعض البطولات الرياضية بنسبة 3%-7%:

وفقاً لتحليل من Sports Business Journal sportsbusinessjournal.com خفضت بعض الشركات الأجنبية حجم رعاياتها للفعاليات الرياضية الأمريكية بسبب القيود التجارية، خاصة شركات التكنولوجيا والسيارات الصينية.

• تباطؤ نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع الرياضة:

بين 2017 و2020، تباطأت معدلات شراء الفرق الرياضية الأمريكية بواسطة مستثمرين أجانب بنسبة تقريبية 15% مقارنةً بالسنوات السابقة، حسب بيانات Statista و .Bloomberg

• زيادة الاعتماد على التمويل المحلي:

مع تراجع الاستثمارات الأجنبية، لجأت الأندية الأمريكية إلى مصادر تمويل محلية مما رفع تكاليف الاقتراض في بعض الحالات بنسبة تصل إلى 2%-3%.

وهوا يما يمكن التعبير عنه من خلال الشكل التالي:

الخلاصة بالأرقام:

إجمالي الخسائر المباشرة: تأثرت الشركات الرياضية الكبرى بخسائر تقدر بـ 2-3 مليار دولار سنويًا بسبب التعريفات (2018-2021) وذلك بحسب Bloomberg و Forbes.

التحول الجغرافي للإنتاج: 40% من الشركات الرياضية نقلت جزءًا من إنتاجها من الصين إلى دول أخرى بحلول 2022 (معهد Brookings) brookings.edu .

الاستثمارات البديلة: زادت الاستثمارات في الرياضة المحلية الأمريكية بنسبة 15% بين 2019-2023 (خاصة في MLS وNFL) بحسب ESPN الإخبارية الرياضية espn.com.

هذه الأرقام توضح أن التعريفات لم تكن مجرد قرار تجاري، بل كان لها تأثيرات عميقة على سلاسل التوريد والاستثمارات الرياضية العالمية.

وختاماً فارتكازاً على ما ترتب على الرسوم الجمركية التي تم فرضها خلال فترة رئاسة دونالد ترامب الأولى من انعكاسات سلبية طالت حركة الاستثمارات الرياضية العالمية، فمن المؤكد أن الموجه الثانية من الرسوم الجمركية التي دخلت حيز النفاذ منذ إبريل 2025 سيترتب عليها موجه واسعة من عدم الاستقرار في الأسواق الرياضية حول العالم، بل وما سيحدث من تحولات جذرية في أنماط الاستهلاك وتحول حركة الإنتاج، ولا أبالغ بالقول أنه من المتوقع اختفاء علامات تجارية ظلت محتفظاً بصدارة المشهد العالمي خلال العقود الماضية، وظهور علامات جديدة بفضل الإجراءات الحمائية التي ستتخذها دول العالم حفاظاً على أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يُفضي إلى حقيقة مؤداها أن العالم أصبح على مشارف نظام اقتصادي جديد تتوارى فيه عولمة التجارة وتظهر في العلن التكتلات الاقتصادية العالمية المرتكزة على الإجراءات الحمائية لحماية الاقتصادات العالمية.

بقلم 

د عبد الله مصطفى عبد العظيم فرماوي 

رئيس شعبة الدراسات الرياضية – مركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية